هي : تبدو منهكة القوى ، رجلاها النحيلتان تندس تحت ماكينة الخياطة تدوس بفتور عليها ، كلما تسلل اليها الاعياء تزداد ارجلها عنفا في الرقص على دبيب الابر فوق الاقمشة ، كانت تسرق النظرات اليه بوجع مرير
هو : ممدد على سريره الخشبي لا يقوى على الحركة لاشئ يعطيك الاحساس بنبض الحياة غير عينيه الواسعتين واهدابه التي تطبق ببطء لتهزم مخاوف الرحيل الابدي
هي : تطأطأ راسها المهموم ، تفتح درج ماكينتها حيث تختبي دراهم العلاج ، تعدها ، تتنهد بألم ، ما زال وفرها في باكورة الحلم ، تدوس بقوة على الماكينة ، قطرات العرق الاجاج يزحف نحو مقلتيها الشاحبتين ، يزداد الرقص تتمايل مثل السنة الشموع التي تغشاها الرياح الدافئة ، تسقط قطرة مالحة على عينها اليمنى ،
فتنغرس شوكة الابرة بين سبابتها ، تنزف دما ، تصرخ بحرقة
هو : يتألم ، يبكي
هي : تجلس بجواره تغطي وجهه بملاءة بالية ، تمسح عن مآقيه شوارد الدموع
هو : يحرك شفتيه يهمهم بكلمات غريبة
هي : تبحث تحت وسادته التي تشربت بعبق العقاقير عن صندوق الدواء
هو : تشخص عيناه تسافر الى السماء ، تصتك اسنانه ، يحشرج صدره
هي : تحمل صندوق الدواء ، تهرول نحو الخارج ، وفي قبضتها دراهم قليلة ، تدلف الى مستودع الدواء ،
- اربعون الفا
- هذا كل ما املك
- الا تفهمين ...
- لكني احتاجه اتوسل اليك
- اربعون الفا يا سيدتي
تحسست عنقها حمدت الله ان وجدته نزعته بقوة ، اغلى ما عندها كان قد اهداه اياها في يوم زفافها
- خذ ... هل هذا يكفي
- انا لست صائغا يا سيدتي
بكت ، تراى لها ، يتأوه يغمض عينيه يذرف دمعا ، جابت بعينها مساحات المستودع ، كان المكان يكاد خاليا ، رمقت صندوق الدواء يرقد على منضدة البائع ، تلفتت بحذر ، كان البائع مشغولا مع امرأة تبادله الابتسامات الرمادية ، مدت يدها المرتجفة ، خطفت الصندوق ، واطلقت ساقيها
- حراااااااااااااااامية امسكوها
كانوا يتسابقون في اللحاق بها ، حجارة وحصى وبقايا فواكه فاسدة انهكت قواها ، امسكوا بها ، اخذوا منها الدواء قيدوها ، اقتادوها الى المخفر ، ضربوها على فعلتها ، وعدتهم ان لا تسرق ثانية ، عادت مهزومة ، فتحت بابها
ارتمت في احضانه بكاء ، احست بان الدفء في وجهه تلاشى ، ولم تعد اهدابه تطبق ، امسكت برأسه تفحصت وجهه صرخت مزقت صندوق الدواء الفارغ وحطمت قواريره
هو : يوارى الثرى بصمت دون ضوضاء
هي : بين طرقات المدينة تتجول بين ازقتها تنقب بين صناديق النفايات عن صناديق الدواء ، وكلما وجدت صندوقا خطفته بلهفة مفرطة وتجري بين الطرقات ومن خلفها اطفال المدينة يتعالى صراخهم
المجنونة .......
المجنونة ..........
المجنونة ........{